اهلا وسهلا بزوارنا الكرام.. تفاعلكم مع المدونة تشريف لنا و دعم لجهود التدوين العربي..أشكركم على ايثارنا بهذه بالزيارة..

السبت، 18 يونيو 2011

تقرير التقصي المشترك بين مركز الوسيط والمرصد المغربي يدين تسبب السلطات في مقتل الشهيد كمال عماري، و يدعو لمتابعة المسؤولين و يحذر من إفلاتهم من العقاب

التدوينة بقلم و عدسة المدون

خديجة المروازي:تم استهداف جماعة العدل والاحسان و كان لها النصيب الأوفر من العنف و المعاملة المهينة للكرامة  

     نظم كل من مركز الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان، والمرصد المغربي للحريات العامة لقاء صحفيا مفتوحا بنادي المحامين بالرباط  يوم الخميس 16 يونيو2011 على الساعة العاشرة صباحا وذلك لعرض التقرير المشترك و المفصل الذي أشرف عليه فريق يمثل الجهتين المنظمتين ويتعلق التقرير بشأن ملابسات وفاة "كمال عماري" و تداعيات الاعتداء على المتظاهرين يوم 29 ماي 2011 بآسفي، و يتكون فريق التقصي من الأستاذة خديجة مروازي، و ذ. حسن السملالي و ذ. يوسف غويركات.
و قد افتتح الأستاذ كمال لحبيب بمداخلة حول الاطار العام وظروف اعداد التقرير المشترك عن ملابسات وفاة كمال عماري، لتتناول الكلمة بعد ذلك الأستاذة خديجة المروازي الكاتبة العامة للوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان، حيث تطرقت في عرضها الى منهجية العمل المتبعة في إعداد التقرير مع الاشارة الى أهم المعطيات و الخلاصات التي خرج بها التقرير المشترك و الذي تمت صياغته بناء على إعمال تقنيات الاستماع الفردي و الجماعي لمختلف الشهادات المتعلقة بملابسات القضية و تضم أقوال الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بآسفي، و أقوال والي جهة دكالة عبدة، و أقوال المندوب الاقليمي لوزارة الصحة كما تم الاستماع كذلك الى شهادات عائلة الفقيد عماري والشهود الذين عاينوا الاعتداء عليه ، وعينة من الضحايا الذين تعرضوا للاعتداء و الاختطاف بالإضافة الى الاستماع أيضا الى عينة من الفعاليات المحلية المدنية والسياسية و النقابية فضلا عن تصريحات لعدد من المواطنين.
و ــ بناء على الإفادات الواردة في الشهادات و الوثائق.
ــ و انطلاقا من معاينة فريق التقصي لجثة الفقيد بمستودع الأموات و التأكد من آثار التعذيب الشديد على مختلف أعضاء الجسم،
ــ و انطلاقا من شهادة خبير دولي في الطب الشرعي بعد اطلاعه على بلاغ الوكيل العام للملك و قد حمّل الخبير كامل المسؤولية لعنف الشرطة المغربية غير المبرر بتساؤله: لو كان الضحية بقي في منزله هل كان سيتوفى..؟
فقد ترجحت القناعة لدى فريق التقصي بما يلي:
أولا : بخصوص و فاة كمال عماري
1 ــ ان الاعتداء العنيف الذي تعرض له الفقيد عماري من طرف رجال الأمن هو السبب المباشر وراء موته.
2 ــ ان تخوفات الفقيد كمال عماري من التوجه الى المستشفى بسبب احتمال اعتقاله، لها ما يبررها من خلال صور لرجال الأمن يرابطون بالمستشفى، وهو ما يطرح إشكالا إخلاقيا و قانونيا بالنسبة للجهات التي أزاحت المستشفيات عن وظائفها الاستشفائية الى فضاءات للترهيب و الإعتقال، أو الجهات التي قبلت بهذا التجاوز الخطير.
3 ــ ان التردي و الإهمال الكبير في المؤسسات الصحية على مستوى التجهيز والخدمات، و غياب أنظمة المراقبة والمحاسبة، كلها ظروف سلبية فيما يتعلق بالحالات الطبية الحرجة..
4 ــ إزاء كل ذلك، و بينما ترجحت القناعة لدى فريق التقصي باستهداف شباب جماعة العدل و الإحسان ضمن شباب 20 فبراير، بالنصيب الأوفر من الاعتداء و العنف المفرط، و جميع أشكال المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة..فإن الفريق بالمقابل لم يجد قرائن تدل على استهداف الفقيد كأحد المنتمين للجماعة، بقدر ما اعتدي عليه تحديدا كأحد المتظاهرين يوم 29 ماي.
5 ــ إن أداء وسائل الإعلام الرسمية في تداولها لخبر وفاة كمال عماري لم تحترم المعالجة المهنية الموضوعية، حيث عملت على استباق نتائج التقرير الطبي الرسمي..!

ثانيا : بخصوص الإعتداء على المتظاهرين يوم 29 ماي و تداعياته
ترجح لدى فريق التقصي القناعة بما يلي:
1 ــ الاستعمال المفرط للقوة في تفريق المتظاهرين بعيدا عن مقتضيات القانون.
2 ــ استعمال العنف لم يكن له ما يبرره يوم 29 ماي باعتبار الطابع السلمي للتظاهر الذي دأبت عليه التظاهرات منذ انطلاقتها دون أي مساس بالممتلكات العامة أو الخاصة.
3 ــ ان تعرض أعضاء حركة 20 فبراير بآسفي للاختطاف والتعذيب والتهديد بالاغتصاب وكل أصناف المعاملة الحاطة من الكرامة، يجعل الاقتناع راسخا بخصوص الطابع الممنهج للقمع الذي تعرض له المنتمون لمختلف مكونات الحركة وخاصة الشباب المنتمي لجماعة العدل و الإحسان بالدرجة الأولى.
4 ــ إن مستوى الاعتداءات و العنف الذي تعرض له الضحايا يوم 29 ماي يؤشر على وجود تعليمات بإعماله من خلال التنسيق بين المسؤولين الأمنيين لتعميم نفس صيغ الاكراه والتعذيب، و بتواتر نفس المعجم البوليسي، و انتظار التوصل بالأوامر الدقيقة بخصوص أسماء المفرج عنهم..
   إن كل ذلك يتطلب الجواب حول العلاقة بين تعليمات القرار الأمني المحلي و القرار المركزي، فهل القرارات المحلية أحادية الجانب ومنفلتة عن القرار المركزي، أم أن الترابط بينهما ثابت وهو الشيء الذي يعكس سياسة أمنية عامة تؤسس للانتكاس على مستوى التدبير الأمني للتظاهر السلمي؟؟
ثالثا: بخصوص السياق المحلي للاحتجاج:
1 ــ لقد ترجح لدى فريق التقصي بأن الاصرار على نقل التظاهر الى الأحياء الشعبية، شكل منعطفا على مستوى النقاش المؤيد أو المعارض لذلك ضمن مكونات حركة 20 فبراير، و كذلك على تحول الدولة في تدبيرها للتظاهر بالمنع و إعمال القوة.
2 ــ ان ترحيل الاحتجاجات رغبة في تعبئة الاحياء الشعبية التي لم تلتحق بعد بمسار الحركة، هو اتجاه يقابله كذلك تخوفات الاتجاه المتحفظ من وقوع انفلاتات داخل أحياء" كاوكي و الكورص و السانية" و هي أحياء تحتضن بعض أصحاب السوابق في مجال المخدرات و الجريمة و قد عانوا من الظلم و العنف، و استياؤهم المتراكم يمكن أن يكون سببا للانفلات و  لأعمال  الانتقام ضد العناصر الأمنية ذات الصلة بتلك الأحياء.
3 ــ ان الطابع السلمي للمظاهرات لا ينفي مخالفتها لقانون المظاهرات في الطرق العمومية، إلا أن الأمر لا يتعلق كما يتداوله المنظمون بطلب الترخيص، و لا يتعلق كذلك بالمنع بسبب عدم الترخيص كما يتداوله خطاب السلطة المحلية، بل إن القانون المنظم لا يتجاوز مسألة التصريح بما يضمن اتخاذ السلطة للتدابير في ظروف ملائمة.
4 ــ إن التهميش الاجتماعي و الإقصاء الإقتصادي للمدينة من مختلف المشاريع الاستراتيجية، بالاضافة الى الإختلالات الكبيرة على مستوى التدبير المحلي و الفساد الانتخابي و التدبيري..كل ذلك من شأنه أن يضاعف التذمر من السياسات العامة تجاه المدينة، ويقوي الإحتقان لدى نخبها و فئاتها المهمشة..
تــوصيــات:
أولا : بخصوص تحديد المسؤوليات:
1 ــ العمل عل كشف الحقيقة كاملة في ظروف وفاة كمال العماري و تحديد المسؤوليات، واتخاذ الاجراءات القانونية بما يضع حدا للإفلات من العقاب.
2 ــ العمل على أن تأمر النيابة العامة بأقصى سرعة باجراء بحث دقيق بخصوص شهادات المواطنين الذين تعرضوا للتعذيب و الاختطاف يوم 29 ماي و متابعة المتورطين في ذلك.
3 ــ العمل على فتح تحقيق لتحديد مسؤوليات القرار الأمني في مختلف مستوياته بخصوص أعمال العنف و الاعتداء و التعذيب و المعاملات المهينة للكرامة..
4 ــ العمل على التحقيق بخصوص انزياحات المستشفيات عن مهامها و تحويلها الى ملحقات للإعتقال.
ثانيا: بخصوص إحداث و إعمال آليات الحوار:
1 ــ العمل على وضع آلية مؤسساتية للحوار الوطني حول الحق في التظاهر بما يعزز مكتسبات الحريات العامة و يؤسس للتدبير السلمي في اطار احترام القانون إيمانا أن الحوار هو الخيار الوحيد لتأسيس التعاقدات بين الفاعلين.
2 ــ فسح مجال الإعلام العمومي لجميع التيارات للتداول في النوازل، و تعزيز تمثيلية الشباب ضمن هذه التيارات..
3 ــ إحداث آليات المراقبة و المحاسبة مركزيا و محليا، و إعادة النظر في سياسة الاقصاء و التهميش التي تطال مدينة آسفي و ادماجها اقتصاديا انطلاقا من مواردها الطبيعية والبشرية..

الخميس، 16 يونيو 2011

أنا مواطن عربي، إذن أنا صحفي فعلا...


صحافة المواطن في ربيع الثوراث العربية


1-الصحافة وثورة الإعلام الرقمي
في البدء كانت الصحافة العربية... وفي البداية كان الأدباء والكتاب العرب هم أول من وضع اللبنات الأولى لمهنة المتاعب في عالمنا العربي أسعفهم في ذلك امتلاكهم لناصية اللغة العربية و خبرتهم بدقائق الإنشاء ومسالك التعبير...وقد وجدوا في الصفحات البيضاء اليومية فرصة كبيرة لإختبار ملكاتهم التعبيرية والتواصل اليومي مع جمهور من القراء المتعطشين للمعرفة والشغوفين بمتابعة الأنباء و أخبار  المجتمع.
ثم ما لبثت الصحافة بطبعها المتغير أن واكبت موجة التحولات السياسية و الإجتماعية و التقنية الكبرى التي عرفتها المنطقة ليأخذ لعمل الصحفي طريقه نحو الاحترافية و المهنية رغم أن الصحافة ظلت توصف لدى الكثيرين بمهنة من لا مهنة له لسهولة ولوجها نسبيا مقارنة مع الكثير من المهن و الوظائف الأخرى.
ولم تعد الصحافة حبرا على ورق، بل هجمت على الناس في أقاصي المعمورة وتسللت دون إذن إلى أعماقهم عبر كل منافذ الحس و الإدراك، وجمعتهم رغم تباعدهم ليتشاركوا جديد الأنباء في نفس اللحظة.
وليتفاعلوا أيضا مع آخر التغطيات المباشرة لآخر الحركات و السكنات على كوكب الأرض بدءا من مسالك الأسماك، وانتهاءا إلى مدارج الأفلاك..! ولقد لعبت الثورة التكنولوجية في مجال الأقمار الاصطناعية وصناعة الإعلام السمعي والبصري دورا حاسما في جعل الصحافة والإعلام سلطة واسعة النفوذ، وسلاحا فعالا بيد الحكومات، وملاك مؤسسات الإعلام و الفاعلين الدوليين المتحكمين في شكل و محتوى و سرعة الصبيب و تدفق المعلومات عبر الأثير، وعبر حبال الانترنت العابرة للقارات.
ولا ينبئك عن مدى انتشار هذا الغزو الإعلامي للعالم مثل نظرة من الأعالي لمشهد الصحون المقعرة (البارابول) وهي تتكاثر بشكل مذهل كقبعات الفطر الأبيض على أفقر دور الصفيح في العالم الثالث و أكثرها بعدا عن مواطن المدنية الحديثة...ناهيك عن الارتفاع الهائل لأعداد المتسمرين أمام الشبكة العنكبوتية، أو العالقين بها دون حراك وقد لفتهم بخيوطها اللاصقة طوال اليوم!
هكذا تفعل الانترنت بملايين الأشخاص المسحورة أعينهم وأسماؤهم وقلوبهم بما يشاهدونه أو يتشاركونه مع بعضهم البعض في عالم افتراضي مجنون...
وتعتبر شريحة الشباب من أكثر الفئات العمرية تعلقا بهذا العالم، وهم ما بين باحث يعرف ضالته في الشبكة، وبين ضال في وديانها لا يلوي على شيء..!
 هذه الشبكة الماردة أصبحت أمرا واقعيا و إيجابيا لا يكاد يستغني عنه الأفراد ولا المؤسسات، وذلك لما توفره من إمكانيات خلق و امتلاك عدد لا متناهي المدونات و المنابر التواصلية و الدعائية، وعلب البريد الالكتروني و مواقع الدردشة، فضلا عن صفحات المواقع الاجتماعية ذات الشعبية الكبيرة كالفيسبوك والتويتر وغيرها...
وكل هذه الابتكارات التفاعلية، تجعل الآن أكثر المواطنين خمولا وبساطة قادرا على البحث والتواصل مع أخطر الأفراد و المؤسسات شأنا، و أبعدهم مكانا ومكانة في عصرنا الحديث، وكيف لا ولقد أصبح لأكبر الزعامات السياسية و الفكرية و الدينية وغيرها مواقع وعناوين الكترونية وخطوطا هاتفية للتواصل مع العالم دون كبير عناء.. ومن باب أولى، فقد استفاد العمل الصحفي و الإعلامي كثيرا من منافع الشبكة وخدماتها المتجددة والمجانية سواء على مستوى البحث عن الخبر المكتوب  والمصور، أو على مستوى البث والنشر على مدار الساعة، وقد صار لكل محطة إعلامية مواقع على الانترنت لمزيد من الارتباط  بالجمهور.
2. صحافة المواطن بين هز الاحتكار وكسر الرقابة:
لقد وجدت الصحف الورقية نفسها في عصرنا الرقمي مضطرة لمواكبة مستجدات الثورة المعلوماتية، وحجز مكان لها على الشبكة خصوصا أمام تكاثر المواقع الاخبارية المتنوعة بلا ضابط ولا رقيب، لكن بميزة الإخبار الفوري المتجدد و إمكانية التفاعل المستمر مع جمهور مزاجي كثير الملل وقليل الصبر،وهو يميل بطبعه (الشبابي) إلى الإثارة والجديد المختصر أكثر من ميله إلى قراءة المطولات...وهو واقع ثقافي مؤسف وقد بات يهدد سوق الجريدة الورقية ويقلص من مبيعاتها أمام السيل الجارف من الأخبار المتنوعة المجانية والتي لم تعد تتطلب أكثر من الجلوس أمام الحاسوب الشخصي و الضغط على زر الإبحار لتطير بك الشاشة الصغيرة عبر فضاءات لا تنتهي..
وإزاء ما يشهده عالمنا اليوم من حروب ونزاعات وبؤر للتوتر، وأحداث متسارعة، فقد أصبحت الحاجة ملحة إلى المزيد  الصحفيين و المراسلين   لتغطيات شاملة و كاملة...وقد قلصت هذه الثورة الرقمية المفتوحة من هيبة الترسانات القانونية المقيدة للصحافة في العالم، وهزت احتكار الخبر و المعلومة، وكسرت مقص الرقابة الحكومية و السياسية و الأمنية على ما تبثه وسائل الإعلام  عموما، وجعلت العالم بذلك يدخل بداية النهاية لزمن السرية والغموض، و التكتم الصحفي، و التعتيم الإعلامي وتلفيق الأخبار ترويج الأكاذيب والمغالطات لتوجيه الرأي العام، ولعل موقع ويكيليكس الشهير، ورغم ما ثار حوله من جدل سياسي وإعلامي، يعتبر من أبرز الأمثلة على إمكانية تسريب وكشف وتبادل أكثر الأسرار خطورة في العالم من طرف الأفراد و بشكل غير مسبوق...
وهكذا أتاحت الثورة المعلوماتية لكل مواطن في العالم أن يصنع الخبر أو ينقله بفصاحة ووضوح ويبثه بالصوت و الصورة على الهواء مباشرة على الشبكة العنكبوتية محرزا بذلك السبق على أكبر وكالات الأنباء، وأكثر الفضائيات انتشارا..! نعم، إنه ما بات يعرف الآن بصحافة المواطن، وهي صحافة غير تقليدية وغير رسمية أبطالها مواطنون لم يعد يشفي غليلهم ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية الموجهة وغير المحايدة أو المضطرة لاجتزاء الحقائق أو إخفاء الوثائق..لذلك فلا مجال لتضييع الفرصة لتغطية أكثر جرأة ومصداقية على موقع يوتوب أو على الراديو أو على تليفزيون الانترنت (WEB RADIO – WEB TV) أو على المواقع الاجتماعية التشاركية...
الصورة بعدسة المدون
3. الغضب العربي وصناعة صحافة المواطن
         لقد لعبت المواقع الاجتماعية دورا كبيرا وحاسما في إشعال و تأجيج الثورات العربية التي أطاحت بأكثر الأنظمة بوليسية وأشدها استبدادا، ويتعلق الأمر بالنظام التونسي والمصري، وهو ما سبب الذهول و الرعب و أحرج أكثر الأنظمة الإستخباراتية في الشرق والغرب، وجعل وسائل الإعلام التقليدية تدخل وبشكل اضطراري مرحلة جديدة فرضتها صحافة المواطن "المشاغبة" الجريئة والسباقة إلى الأخبار العاجلة..
         وقد وجدت أكبر المؤسسات الإعلامية و المنظمات الدولية نفسها مضطرة أو راغبة في الاعتراف والتعامل مع المواطنين الصحفيين غير الرسميين، وذلك بتمكينهم من نشر أهم ما تلتقطه عدساتهم من صور و أفلام وتغطيات، وتنظيم دورات لتأهيلهم نظريا ليقوموا بأدوارهم على أكمل وجه، و ربما وجدت الجهات المنظمة في ذلك فرصة لتوفير الميزانيات و أرواح الصحافيين الرسميين المؤمن عليهم..!
وقد أثارت صحافة المواطن جدلا قانونيا تنظيميا و إعلاميا كبيرا حول ما إذا كانت هذه الصحافة الجديدة منافسة مزعجة، أو ملهِمة و مكمِلة.. كما علا النقاش كذلك حول إمكانية استيعاب المواطنين الصحفيين عبر سن تشريعات خاصة لضبط و تنظيم أنشطتهم وانتاجاتهم وذلك أمام تزايد احتجاجات المدونين للاعتراف بمطالبهم أو ضد ما يتعرضون له من اضطهاد وتهديدات سياسية وأمنية بسبب تعبيرهم عن آرائهم بكل حرية وتطوير مدوناتهم التي أصبح الكثير منها يحظى بشهرة عالمية ملفتة.
و الظاهر أنه كلما ازداد غضب الشارع العربي على الفساد و الاستبداد إلا وازدادت معه حاجة المواطنين ورغبتهم في التدوين وبث تغطياتهم على أوسع نطاق للتعبير عن الغضب و الاستنكار، وفضح الانتهاكات والممارسات اللاإنسانية التي تتورط فيها الأنظمة العربية..هذه الأخيرة وجب عليها الآن أن تحسب حسابها للعدسات البسيطة و المتطورة، والكاميرات الخفية للمواطنين الصحفيين البارزين والمختبئين في السماء و الأرض تأهبا لرصد وتغطية كل تدخل عنيف أو انتهاكات لحقوق المدنيين العزّل.. إنها ثورة الصحافة فعلا! وقد أصبح داخل كل مواطن عربي غاضب، يسكن صحفي مارد على أهبة الاستعداد لاغتنام كل فرصة لكتابة مقال أو التقاط صورة أو مشهد مثير..ولا يستطيع أحد أبدا التكهن أو الاستخفاف بما يمكن أن يحدثه ذلك العمل أو السبق من ضجة لدى الرأي العام أو قلب لموازين الأمور، أو فضح أو زعزعة لأغوار المستور..
الأن فقط وفي زمن الثورات العربية، أصبحت الصحافة في بلداننا مؤهلة لأن تكون السلطة الرابعة، أو على الأصح السلطة الثانية بعد السلطة الأولى والوحيدة للأنظمة الشمولية، هذه الأنظمة التي ألهمت مواطنيها من حيث لا تشعر! و فرضت عليهم فرضا أن يقتحموا عالم الصحافة ليطلقوا صيحات الألم والاحتجاج وهم يتمثلون(الكوجيطو) العربي الجديد: (أنا مواطن عربي، إذن أنا صحفي فعلا..!).
                بقلم محمد لبيهي 
نشرت المقال بجريدة العلم عدد: 21993
          بتاريخ 6 يونيو 2011

الاثنين، 13 يونيو 2011

20 فبراير بعيون صحراوية..


محمد لبيهي - الجزيرة توك - المغرب

رغم أن النشطاء والحقوقيين الصحراويين قد شاركوا و ما يزالون، في أكثر من  نشاط تنسيقي أو تضامني مع الجمعيات المغربية، إلا أنهم يتحفظون اليوم على الانخراط في تنسيقيات حركة 20 فبرايرالشبابية المطالبة بالتغيير و المطالبة بإسقاط الفساد والإستبداد بالمغرب , و رغم إجماعهم على شرعية مطالبها، إلا أن هؤلاء النشطاء قد أعربوا عن رأيهم في المفاصلة بين نشاط الحركة ونشاطهم الحقوقي والسياسي داخل الصحراء، فقد صرح لنا الناشط الصحراوي سعيد البيلال ب"أن الحراك الذي تقوده حركة 20 فبراير هو شأن مغربي داخلي خاص لا يعني الصحراويين ولا علاقة لهم به.." و بدأ تأثير هذه الدعوة جليا من خلال مقاطعة مسيرات الحركة بالصحراء من طرف جل الشرائح الصحراوية المتعاطفة مع " الحقوقيين الثوريين " خصوصا من فئة الشباب.
و لبسط المزيد من الضوء على خلفية هذا النقاش، استقبَلنا الناشط ابراهيم دحان بمنزله بمدينة العيون ، وهو رئيسالجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف الدولة المغربية    ASVDH و أحد أفراد المجموعة الحقوقية المفرج عنهم مؤخرا من السجون المغربية بسراح مؤقت، و كان معه  هذا الحوار :
ــ في البداية، ما تقييمكم لحركة 20 فراير؟ وكيف تفسرون تقاطعكم مع الموقف المغربي الرسمي الداعي الى رفض و مقاطعة هذه الحركة الاحتجاجية؟
لا شك أن هذا توافق غير مقصود طبعا، ففي رأيي الشخصي أن حركة 20 فبراير هي حركة قوامها الطبقة المتوسطة والشعبية، وقد انخرطت فيها فعاليات معارضة بارزة أحيت آمالا كبيرة لدى الشعب المغربي الشقيق التواق الى دمقرطة الحياة، وتوزيع عادل للثروة و تساوي الفرص..و اعتقد أن ذلك لن يكون إلا بدستور يحظى بإجماع  و اتفاق جميع الأطياف، و بآليات ديمقراطية حقيقية..وفي اعتقادي أن هذه الحركة تنهل من مكتسبات و تراكمات نضالات اليسار والإسلاميين فهذا يعطيها زخما وبعدا شعبيا كبيرا..وقد استطاعت فعلا أن تجمع هذين المتناقضين إيديولوجيا و على أمر واحد هو مناهضة الاستبداد والفساد و السير قدما نحو التغيير..
ــ هل تعتقدون أن ما يجري داخل المغرب من حراك اجتماعي وسياسي لا تأثير له على نشاطاتكم، و لا علاقة للصحراويين به فعلا؟
أعتقد أن أي حراك في المغرب ينعكس مباشرة على الصحراء و الصحراويين و ذلك بسبب التحكم و الولاية الادارية والقضائية للمغرب على الصحراء و بسبب الجوار أيضا، و نحن الصحراويون ساهمنا في دمقرطة المغرب و قد كانت الأحزاب السياسية تجعلنا قنطرة لبلوغ بعض أهدافها، و هي تحاول أن تستفيد من نضالات الصحراويين عموما..و نحن نعتقد أن أحداث 20 فبراير و قبلها موجة الثورات العربية، قد انطلقت شرارتها الأولى مع مخيم اكديم ايزيك بالصحراء الغربية..و قد كانت ردة فعل الشباب الصحراوي على العنف المخزني تركز على زعزعة للنظام المخزني الفاسد و الديكتاتوري وهو أمر يخدمنا و يجمعنا بنشطاء هذه الحركة..و في هذا السياق تحضرني مقولة شهيرة للشهيد الوالي مصطفى السيد تقول إن الصحراويين لن ينعموا بالاستقلال إلا بعد تحرر شعوب المنطقة من الأنظمة الاستبدادية..
ــ هذه الحركة الاحتجاجية مفتوحة في وجه الجميع، ماذا  لو دعيتم للتنسيق والمشاركة فيها ؟
لطالما دعونا للتغيير في المغرب، وقد ساهمنا سابقا و تفاعلنا جيدا مع تأسيس المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف، و شاركنا في عدة محطات مع الاخوة المغاربة و اختلفنا أيضا لكن ذلك لم يفسد ود الصداقة التي تجمعنا..وفي ما يتعلق بالمشاركة الآن، فأنا شخصيا لا أريد استباق الأحداث، أو القيام بمبادرة أخشى أن تفهم أو تفسر في سياق آخر.. فأنا لدي هم معين، و مشروع الاستقلال يقيدني و يوجه فكري و حركتي..و يبقى السؤال: كيف أدعم حركة 20 فبراير دون أن أناقض أو أتعارض مع مشروعي..و اذا انتفت المحاذير و ثبتت المصلحة فلا مانع ربما..و قد تؤثر مشاركتنا سلبا على صورة  الحركة و مسارها النضالي، لاسيما و أنها قد اتهمت زورا من قبل الدولة  و الإعلام المخزني بأنها حركة انفصالية تدعمها البوليساريو..! لذلك قد يكون ابتعادنا عنها لصالحها و لصالح آمال و طموحات  الشعب المغربي الشقيق.

الأحد، 12 يونيو 2011

تقرير حول ندوة بالرباط بعنوان” الاعلام و حركة 20 فبراير”


التغطية بقلم و عدسة محمد لبيهي
نظمت منظمة حريات الاعلام و التعبير، يوم الأربعاء 09 مارس  2011 على الساعة الخامسة مساء، ندوة تواصلية عرفت حضورا مكثفا غص به نادي المحامين بحي المحيط بالرباط، تحت عنوان: ” الاعلام و حركة 20 فبراير” وقد كان ضيفا على مائدة النقاش كل من:
ـ العربي المساري، وزير إعلام ونقيب سابق للصحفيين المغاربة.
ـ نجيب شوقي، أحد المدونين المغاربة الشباب، وصحفي في جريدة "لكم " الالكترونية، وناشط في حركة 20 فبراير.
ـ محمد عباسي، صحفي مغربي
ـ محمد العوني، صحفي مغربي ورئيس منظمة حريات الاعلام والتعبير، وقد قام  بتسيير الندوة.
وكان العربي المساري هو أول المتدخلين وقد افتتح كلمته بتوجيه النقد الى الاعلام العمومي الذي عمل على تجاهل وطمس دعوة وتظاهرات حركة العشرين من فبراير، وهو شيء متوقع ومنتظر من اعلامنا السمعي والبصري الذي هو في  قطيعة مع الواقع المغربي، على حد تعبير المتدخل مضيفا أنه كانت هناك مخاوف من وقوع انزلاقات، أو أن تقوم جهات معينة بالركوب على موجة الحدث. واضاف المساري ان العشرينيون بدأوا يفرضون أنفسهم على الواقع مع ظهورهم في برنامج "حوار" وأعرب عن دعوته الى التعامل معهم كفصيل متميز في المجتمع المدني..وأضاف المساري ان قوات الأمن تعاملت بحذر مع الموضوع مما يدل على أن المخزن بدأ يدرس استيعاب المتغيرات الجديدة وذلك شيء جميل على حد وصف المتدخل، معترفا أن المخزن يخاف من الأصداء الآتية من الخارج، و يتخوف من تأثيراتها على السمعة والسياحة والقروض الاجنبية، ولم ينس أن يضرب لذلك مثلا بما كانت تتعرض له صحيفته من المنع عندما كان نقيبا للصحفيين، فيضطر الى الاستنجاد بالعواصم الغربية كبروكسيل ونيويورك للضغط الفوري لاطلاق سراح الصحيفة في نفس اليوم احيانا ! وختم المساري كلمته بان المغاربة لا يخشون من طرح مشاكلهم علانية، وان حركة العشرين ربما ستكون أكثر تنظيما و إحكاما..و كان المساري قد عبر عن موقفه مما يجري قائلا: "المخزن يحاول التصرف بأقل الأضرار..والفاعلون المحتجون خاصهم يفهموا راسهم.."
ـ وكان المتدخل الثاني هو الصحفي محمد عباسي الذي افتتح مداخلته بالاعتراض على تسمية الاعلام العمومي بذلك الاسم، و انه لا يناسبه الا الإعلام التابع لأجهزة الدولة، وانه في الواقع ليس هناك مدير أو وزير فعلي للإعلام بل هناك تعليمات مباشرة وحتى التعيينات هي بالتعليمات أيضا، مضيفا ان الاعلام المغربي لا يتغير وإن استجاب، فللمطالب الشكلية فقط..ثم انتقل بعد ذلك ليؤكد ان المعركة الآن ليست نقابية بل معركة المجتمع كله، مطالبا  بمحاسبة المسؤولين وإزالتهم بسبب فسادهم ورداءة المنتوج الاعلامي، وداعيا في الوقت نفسه الى إحداث هيئة مستقلة انتقالية للإشراف على تأهيل الاعلام العمومي وصياغة تصور استراتيجي لأجل إعلام حر وحداثي..مؤكدا على ضرورة اعادة هيكلة "لاهاكا" على أسس ديمقراطية دون محسوبية بل على قاعدة المهنية والكفاءة والنزاهة..وختم محمد عباسي مداخلته بتوجيه دعوة عامة لحضور وقفة احتجاجية  بزنقة لبريهي أمام مقر التلفزة العمومية وذلك يوم الجمعة على الساعة 10:30 .
ـ وكانت أبرز المداخلات تلك التي ختم بها الصحفي والمدون العشريني نجيب شوقي، الذي افتتح مداخلته بالاعتراض على تسمية الشباب المحتج ب"حزب الفيس بوك" واعتبر أن الإنترنت كسرت حاجز الرقابة على الصحافة، مستدلا باحصائيات تشير الى رقم 12 مليون مغربي يصلون الى الانترنت، 3 مليون من بينهم مسجلين في المواقع الاجتماعية كالفيس بوك، حيث بات الشباب يتبادل أفكاره في منأى عن الرقابة، وهو الآن يدافع عن نفسه عبر مجموعة من الآليات ضد حملات التشويه الاعلامية الموجهة. ثم عرج المتدخل بعد ذلك على تجربة الصحافة الالكترونية كمولود جديد في المغرب فتح مجالا اوسع للتعبير امام القراء، واستشهد بتجربتين متميزتين على حد وصفه لكونهما من تأسيس صحفيين محترفين ومعروفين تركوا مجال الصحافة الورقية ومنهم الصحفي أنوزلا والصحفي نجيم، وذكر أيضا بتجربة هسبريس الأكثر مقروئية في المغرب رغم بعض ملاحظاته عليها والتي لم يثرها في مداخلته. ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن الهجوم الممنهج الذي تعرضت له  حركة 20 فبراير والتهم الموجهة لها من قبيل التخوين والطعن في العقيدة و العمالة للبوليزاريو حينا وللإسبان حينا آخر وذلك بفبركة الصور كوضع صورة لإحدى الناشطات مع صورة محمد عبد العزيز، والصاق صورة لاحد الشباب بمقر لاحدى الكنائس على أنه مسيحي..وخلص  نجيب الى فشل الحملات الموجهة ضد المسيرة والتي ساهمت فيها لاماب بإعلان احصائيات مكذوبة، وأن ذلك يدل على ان اعلامنا انما يخدم الحزب الوحيد في المغرب أي حزب المخزن على حد تعبير المتدخل وأن استمرار المضايقات وعدم استضافة النشطاء في الاعلام بل استغلال الاعلام الخاص لضرب الحركة، كل ذلك يزكي حقيقة واحدة اننا تحت حكم مطلق و في دولة ديكتاتورية مستبدة تتحكم في كل شيء..وعاد المتدخل بعد ذلك ليؤكد ان شباب الحركة استطاع فعلا تكسير الحصار بكاميرات هواتف بسيطة استطاعت ان تصور كل الاعتداءات والخروقات وتعرضها للتشارك في الفيس بوك و يطلع عليها المغاربة المتعطشون لمعرفة ما يجري في البلد بعد أن ملوا الخطاب الرسمي وقاطعوه..ثم اردف الناشط نجيب على أن من واجب الصحافة اليوم أن تتبنى مشاريع التغيير بدل التركيز على التغطيات فقط، وأننا في جريدة "لكم" قد أعلنا صراحة تضامننا مع التغيير، وفتحنا المجال للجميع يؤكد المتدخل..

ـ وبعد انتهاء كلمات المتدخلين كان الصحفي المسير محمد العوني موفقا أثناء تدخلاته و اشرافه على تسيير الندوة التي مرت في جو من الجدية والحماس والتفاعل مع المتدخلين، وقد حضرها عدد من الاسماء المعروفة لفاعلين جمعويين و ناشطين حقوقيين وأساتذة و اعلاميين بالاضافة الى الحضور الملفت لأسماء نسائية، و لوجوه شبابية مغربية من كل الأطياف المنتمية أو المتعاطفة مع حركة 20 فبراير..  وقد سجل المسير لائحة متنوعة و مطولة بأسماء الكثير من الحاضرين الراغبين في طرح الأسئلة و اثراء النقاش وانصبت كلها حول ما أثاره المتدخلون من ادانة وانتقاد للاعلام العمومي وسياسات الدولة المخلة والمهينة للقطاع الحيوي فضلا عن اعراب المتدخلين عن تأييدهم لجهود الحركة و تصوراتهم ورؤاهم المتنوعة للسير قدما وبشجاعة  لاحداث التغيير المنشود في البلاد عبرالحراك المجتمعي..
وكانت من أكثر المداخلات جرأة و طرافة كلمة لاحد المتدخلين الشباب، خلاصتها: انه و إزاء حب الشعب للملك، فإن السؤال الجوهري الذي ينبغي طرحه فعلا هو: هل الملك يحب شعبه فعلا ويبادله نفس الشعور؟ وإلا كان الأمر من الوجهة العاطفية مؤلما و غير منصف لأن الحب من جهة واحدة هو أمر محزن ومؤسف للغاية..!
و قد كانت ردود ضيوف الندوة محاولة للاحاطة  بأبرز المداخلات، نذكر من بينها بعض تعقيبات الصحفي نجيب شوقي كالتالي:
انه وفي إطار التفاعل مع 20 فبراير فقد تقررتنظيم يوم وطني للإحتجاج على سياسات الإعلام العمومي. وأنه يجب على المخزن الآن أن يفصح للشعب عن خطاباته دون غموض، ويتجنب الإيماء والإيحاء الذي بات يحتاج الى "شوافات" لفك ألغازه..وفي رد له على سؤال حول وسائل حركته الشبابية في الحوار مع السلطة، نفا نجيب شوقي بشكل قاطع نية الحركة في اللجوء الى أية وسائل غير مجدية من قبيل التفاوض أو الاتفاقات الثنائية أو غيرها مشددا على الاحتجاج كوسيلة وخيار وحيد لتبليغ رسالة الشباب الغاضب..ولم ينس المتدخل أن يدعو الشباب الى ابداع وسائل جديدة، وأشكال دفاع ذاتية كراديو الانترنت والويب تيفي وغيرها زيادة على الوسائل المعروفة كالمدونات والمواقع الاجتماعية التفاعلية، وختم تعقيبه برسالة تشجيعية قوية مفادها أن نفس المسار المصري والتونسي ينتظر المغاربة..            

مشهد من مسيرة يوم 20 فبراير بالرباط  

تغطية القضايا الدينية بين اللاييكية و الاسلام


لا بد في البداية من طرح السؤال المنهجي: ماذا نقصد بالقضية الدينية أولا؟
و سأركز هنا على القضايا الدينية في عرف المسلمين.
إن تعريف القضية الدينية قد يكون امرا سهلا في الثقافة الغربية التي هي في الغالب علمانية و يمكن التمييز لديها بسهولة بين الديني و اللاديني، بينما الأمر قد يكون مختلفا لدى الثقافات التي لا ينفصل الدين فيها عن الشؤون اليومية للحياة، و بالأخص الدين الإسلامي الذي كلما زاد انتشاره في العالم او ازدادت المعرفة الدقيقة بفحوى و مقاصد خطابه، الا و ازداد معها إدراك مسألة بالغة الأهمية : وهي أنه لا يخرج عن خطاب الوحي الإسلامي شيء من أعمال البالغين المعنيين بالرسالة الإسلامية، فكل حركة و سكنة تصدر عن المسلم لا تخرج عن أحكام التكليف الشرعية المعروفة عند المسلمين، بمعنى أن كل ما يقوم به المسلم لا يكون في نظر المشرع إلا مندرجا ضمن واحد من الأحكام الدينية التالية :
1ــ المستحب: فاعله يثاب و تاركه لا يعاقب.
2 ــ المكروه: تاركه يثاب و فاعله لا يعاقب.
3 ــ الواجب: فاعله يثاب و تاركه يعاقب.
4 ــ الحرام: تاركه يثاب و فاعله يعاقب.
5 ــ الجائز: هو المباح يستوي فعله و تركه في الحكم أي لا ثواب و لا عقاب على فعله أو تركه. على أن ذلك لا يخرجه أيضا عن نظر الله المشرع الرقيب، الخبير بالعباد، و قد يتحول الجائز إذا وقع تغيير في حدوده، فيدخله ذلك في إحدى دوائر الأحكام التكلفية الأخرى..و قد عرف الدين الإسلامي بثراء تشريعاته و تفريعاته القانونية و للوقوف على ذلك يرجع  بالضرورة إلى علم الفقه و علم أصول الفقه وعلم مقاصد الشريعة و غيرها.. وهي علوم عقلية / نقلية،  دقيقة و مبدعة وشاملة.. و لذلك يشهد المتخصصون أنه لا نظير لها أبدا في تراث أو حاضر الديانات الأخرى..
و تكاد تحظى هذه العلوم بمحل الإجماع النظري بين غالبية المسلمين، إلا أن الاختلاف الإفتائي أو القضائي حول تنزيلها على أفعال الراشدين يعتبر من ابرز أسباب الاختلاف داخل طوائف و فرق المسلمين.. وعموما فكلما ازداد احترام و معرفة المسلم لدينه أدرك أن  العلمانية أو اللاييكية التي تدعو الى فصل الدين عن الدنيا هي شيء خطير يستحيل أن ينجح اوواواااال يقبل به المسلمون الذين يعتقدون أن الإسلام دين شامل، خاتم، و خالد، لم يصبه التحريف أو التبديل الذي أصاب الأديان الأخرى..
إذا فهمنا هذا الأمر سيسهل علينا أن نفهم دواعي ما يسمى بظاهرة الحركة  الإسلامية أو جماعات الإسلام السياسي التي تجلب و تقنع أعدادا كبيرة من الأتباع كل يوم، و هذه الحركات رغم انقسامها بين الاعتدال و التشدد واختلاف افهماها و وسائلها، إلا أنها تُجمع كلها على مشروع و غاية واحدة و تعتبرها من  أوجب القربات التعبدية، هذه الغاية هي إحياء الفكر والشريعة الإسلامية المعطلة وإعادة تحكيمها و تكييفها مع الواقع أو بالأحرى تكييف كل مناحي العصر مع روح الدين الإسلامي..و هو ما يسميه بعض الإسلاميين و علماء الدين بأسلمة الحداثة ـ انظر كتابات حسن البنا و القرضاوي و الغزالي و كتاب الداعية الإسلامي و مرشد جماعة العدل والإحسان بالمغرب عبد السلام ياسين وهو من أوائل من أطلق مشروع أسلمة الحداثة في كتاب بنفس التسمية كتبه بالفرنسية و هو مترجم لاربع لغات، وهذا رابط الكتاب بالانجليزية:
     بعد هذا التقديم يمكننا أن ندرك أن مفهوم القضايا الدينية عند المسلمين يختلف عن مفهوم الغربيين الذين ترتبط عندهم القضايا الدينية في الأغلب بقضايا الكنيسة و رجالها وعلاقتها المحدودة بمجتمعها اللاديني..و لذلك يستغرب المجتمع الغربي للحساسية الشديدة و الحماس العاطفي او الغضب الجماهيري للمسلمين إزاء الكثير من القضايا التي يرى الغرب انه لا علاقة لها بالدين مثل قضايا حقوق المرأة و لباسها و قضايا الميراث، والمعاملات المالية و العقود المدنية، و حرية الصحافة والتعبير مثل الأفلام و رسوم الكاريكاتير المسيئة للأديان. وقضايا الأقليات المهاجرة و قضايا السياسة و الفن والمجتمع عموما...و كلها قضايا حيوية تتعلق بها أحكام ومقاصد الدين الإسلامي، و يتصدى لها الفقهاء عبر الاجتهاد العقلي /الشرعي لإصدار الأحكام  لمستجداتها التي لم تكن في عصر النبوة و ذلك بالقياس على نصوص القرآن والسنة النبوية..
  وهناك آيات و أحاديث كثيرة لا تفصل الدين عن جزئيات حياة المسلم..منها حديث نبوي يتأسف على ما سيقع في العالم الإسلامي من "علمنة"  وهو حديث يؤكد على ان الحكم يعتبر من أهم عرى الدين الإسلامي، يقول: " لتنتقضن عرى ـ أي حلقات ـ الإسلام عروة، أولهن نقضا الحكم و آخرهن الصلاة..كلما انتقضت عروة تمسك الناس بالتي تليها.." و تصديق تلك النبوة أن الدين الإسلامي بدأ برسول حاكم، و خلفاء علماء حكام على مجتمع مواظب على شعائره التعبدية، ثم آل الأمر بعد  قرون إلى أن أصبح الملايين من المسلمين اليوم لا يؤدون فريضة الصلاة.. هذا الحديث يفهم منه المسؤولية و الارتباط العضوي التسلسلي بين نظام الحكم و التزام المجتمع بالشرائع التعبدية..اي أن الحكم السياسي الديني العادل الرشيد، هو الشرط الضامن لإقامة الديانة كلها بقوة الحكم وتشريعاته، و كل خلل في استقامة و تدين نظام الحكم ينتج عنه خلل و تضييع لحقوق الله و حقوق المجتمع المسلم على حد سواء..
لذلك نعود فنقول ان قلة اطلاع الكثير من الصحفيين في العالم الإسلامي وغيره على العلوم المرتبطة بالأديان يمكن ان ينجم عنه تخبط و التباس في تغطياتهم الصحفية الدينية و هذا يفرض عليهم التسلح بما يكفي من المعلومات الدينية اللازمة للتحليل و التركيب و الاستنتاج..
وفي الختام أعتقد أن مسألة الدقة والعدالة في التغطية الصحفية الدينية تبقى مطلبا  فنيا مهنيا و أخلاقيا موازيا مجمعا عليه في عالم الصحافة لكنه لوحده لا يجدي نفعا إذا لم يكن هناك الحد الأدنى اللازم من المعرفة العلمية و الأكاديمية بهذا التخصص، لان أساس الصحافة المتخصصة المعرفة أولا و المعرفة أخيرا...