اهلا وسهلا بزوارنا الكرام.. تفاعلكم مع المدونة تشريف لنا و دعم لجهود التدوين العربي..أشكركم على ايثارنا بهذه بالزيارة..

الخميس، 11 أغسطس 2011

سويسرا الصغيرة بين جبال المغرب!


محمد لبيهي ـ الجزيرة توك ـ المغرب
http://aljazeeratalk.net/node/8197

قبل أسبوع فقط، وبعد عام حافل بالأحداث والمشاغل، لم أكن أشعر أن لنفسي حقا في شيء من السياحة و الاستجمام إلا بعدما " اختطفني" بعض الأصحاب من دوامة الإلتزامات اليومية، إلى رحلة جماعية لا تنسى وكانت الوجهة مدينة "إفران" (عروس جبال المتوسط) بل قطعة أسطورية من جنان الله في قلب البراري الأطلسية!
كنت قد حزمت حقيبتي في آخر لحظة كعادتي، ورتبت فيها ما سوف أحتاجه من أغراض في رحلة الصيف هذه, ولم يفتني طبعاً أن أطمئن على حاسوبي المحمول، وعدة التصوير لتوثيق مشاهداتي طيلة أيام الرحلة السعيدة.

في أحضان " سويسرا الصغيرة "
هكذا لقب الأوربيون "إفـران" هذه المدينة الهادئة الجميلة، بعدما أعادوا بناءها على طراز "الجاردن سيتي الأوربية" لتكون موضع استجمام للعائلات الفرنسية المعمرة إبان فترة الحماية! وقد اكتشف الأوربيون أن موضع هذه المدينة و طقسها البارد لا يختلف عن مدن الألب و جبال البرانس، حيث تقع "إفران" على ارتفاع 1655 متراً فوق سطح البحر، وهي عبارة عن شاليهات وفيلات صغيرة تحيط بها حدائق منزلية جميلة، بينما تتزين ساحات المدينة وطرقاتها بـ"كوكتيل" من الأشجار والنباتات الخضراء.
وأول ما يأسر الوافد على المدينة، شكل السقوف الأوربية ذات المداخن، والمنحنية من الجانبين كسقوف الأكواخ، وهي مرصعة بالقرميد الأحمر وقد صممت بذلك؛ لتحول دون تكدس الثلوج لمدة طويلة خلال الشتاء القارس، ولتسهل انزلاقها عند ذوبانها مع أول إشراقات الربيع المزهرة، وفي وسط المدينة هناك أسد كبير رابض، منحوت من الصخر، ويعود الى حقبة الاستعمار، و لا يوجد أحد يزعم زيارة إفران لم يلتقط صورا الى جانب أسدها الذي يقال أنه يحرس المدينة الآمنة.

أما كلمة "إفران" فتعني الكهوف باللغة الأمازيغية، وذلك لانتشار المغارات الطبيعية حولها، أما إسم المدينة القديم فهو " أورتي" ويعني: الروضة الغناء! و هي كذلك بالفعل، فإفران المضيافة بسكانها وشلالات ينابيعها المتفجرة بين الجبال، وبحيراتها الكبيرة، وغاباتها الخضراء العطرة، وإقاماتها السياحية، تأبى إلا أن تسحر الزوار كنقطة جذب دائمة على مدار السنة، فهي شتاء قبلة عشاق التزلج على الثلوج، وفي الربيع والخريف تكون فضاء رومانسياً للنزهة بين أحضان البراري المزهرة أو على ضفاف الجداول الرقراقة، وعند المصيف تهرع إليها أفواج الفارين من لفحات الشمس بغية الاستجمام واسترواح أطيب النسائم المنعشة تحت ظلال الأرز والبلوط والصنوبر وشجر الزان والعرعار والكثير من أنواع النباتات و الأعشاب المخضرة طوال العام.


وحيش ونبيت :
لم تكن " شلة " أصحابي بحاجة إلى أي مرشد أو دليل سياحي، فقد تكفل صديقي إلياس بالمهمة، ولقد كان رائد رحلتنا عن جدارة، ولحسن حظنا أنه مهندس زراعي ناجح وخدوم، وخبير بتضاريس المنطقة ومبهمات طرقها، وقد مسحها جيئة وذهاباً ولسنوات بسبب ظروف مهنته التي جعلته مطلعا على بنيتها الجيومرفولوجية والرعوية، وصديقا للبيئة في الآن ذاته، فكان يتقدم قافلتنا الصغيرة بسيارته، ويتوقف بالركب كلما مر على إحدى المحطات الإيكولوجية ليقدم لنا شروحات علمية مبسطة و يجيب على استفسارات الشبان المتحمسين.

لقد تعلمت بعد الرحلة أن المتنزه الوطني لـ"إفران" يمتد على مساحة تفوق 53 ألف هكتار أو مايزيد على 500 كلم مربع، وأن غابات الأطلس المغربية تحتضن أكبر احتياطي لأشجار الأرز في العالم، ولأجود الأنواع كذلك، إذ يصل ثمن الشجرة المتوسطة الى حوالي 40 ألف درهم أي ما يعادل 4000 دولار تقريبا، ويعتبر المتنزه بطبيعة تركيبته المناخية والنباتية وسطا بيئيا مثالياً، ومحمية طبيعية لأصناف من الوحيش تقدر ب 37 صنفا، منها ثعالب الأطلس وحيوان العناق و ثعلب الماء، والغرن النهري، فضلاً عن أصناف نادرة من الطيور تقدر بـ 142 صنفاً، هذا بالإضافة إلى الزواحف والبرمائيات وأسماك المياه العذبة وتشتهر مدينة "أزرو" القريبة من إفران بأحواض تربية سمك التروتة النهرية التي يشرف عليها مركز متخصص، وقد كانت إحدى محطاتنا كل ذلك جعل المنطقة قبلة لهواة الصيد و القنص من داخل المغرب و خارجه حتى أطلقت بعض المنظمات الدولية جرس الإنذار مخافة انقراض بعض الأصناف النادرة ومن بينها قرد الأطلس، و يسمى المكاك البربري Macaca Sylvanus هذا القرد الطريف بات مهددًا بسبب استغلال الغابة؛ لأغراض تجارية أورعوية أو بسبب تهريبه الى أوروبا أو بيعه لأصحاب العروض الترفيهية بساحات المدن المغربية، وقد تعودت مجموعات المكاك البربري على انتظار الزوار الذين يستمتعون بإطعامه والتقاط الصور إلى جنبها، وهي نفس الرغبات التي تملكتني حين التقطت لها صوراً كثيرة، بالإضافة الى لقطات فيديو مرفقة بهذا التقرير.


سيمفونية البراري:
كانت سيارات الدفع الرباعي تسلك بنا الفجاج الشاهقة، وتعبر الأدغال لاكتشاف أجمل المواقع وأطيب المواضع، ثم نعود في المساء بعد يوم حافل الى محل إقامتنا بـ"إفران".
كان الجميع سعداء بلحظات ستبقى محفورة في الذاكرة، وتغري بمعاودة الكرة من جديد: إلى غابة أرز كور، وضفاف بحيرة ويوان الكبيرة، وعيون أم الربيع العذبة الباردة، وعين رأس الماء، وشلالات العذراء بغابة فيتال، و مناظر الأنعام وهي ترعى النجم الأخضر في الغابات و المروج أو على ضفاف البحيرات، وركوب صهوات الخيول العربية المسرجة، وذلك يجعلك تعشق حياة البرية العذراء، وتعجز عن مقاومة سحرها إذ تراودك عن نفسك التواقة من أول نظرة،ولسوف تتمايل طربا لسيمفونية الطبيعة تعزفها على مسامعك طيور البراري على إيقاع خرير الشلالات الفضية الرقراقة، وحفيف أوراق الأشجار الباسقة العملاقة، و رقصات الفراشات المزهوة بألوانها القزحية، كل ذلك وأنت تستروح نسيماً جبليا عليلاً بعبق الفردوس الأطلسي، وتلتحف سماء صافية زرقاء، و تفترش سجادا أخضرا وثيراً نسجته يد الخالق المبدع سبحانه وجعلته رحمة ومهادا للعابرين وآية للناظرين.
ثلاث آلات تصوير رقمية فضلاً عن عدسات هواتفنا المحمولة، لم تكن لتكفّـنا عن التسابق إلى الكاميرات رغبة في الاستئثار بالتقاط أروع الصور، وقد استبدت بكل واحد منا رغبة عارمة لم يشبعها أبداً تصوير ما وقعت عليه عيوننا من بدائع الطبيع، وعند المساء يجتمع الشباب للسمر والدردشة وتناول وجبة العشاء، واحتساء كؤوس الشاي الأخضر المنعشة، فنقوم بتفريغ ما تم تصويره طوال اليوم في حواسيبنا الشخصية استعدادا ليوم جديد.



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق